يولد الناس متساوون لا فرق بينهم لكن مع التقدم في الحياة يتميزون بعضهم عن بعض.
يجسد صاحبنا هذه المقولة بكفاءة.
تربى عبد الله ولد أحمدو الملقب محمد ولد أمسيكه بمنطقة انشيري حوالي 1912 في بيت متواضع وامه خديجة بنت امسيكه امرأة كريمة ورشيدة وذات رأي سديد ومستقل .
تغيرت حياته بغتة من التنقل بين مناكب دائرة الترارزة الى دوائر البراكنة وكوركول والعصابة ولاحقا الى الحوضين وخاي بمالي حاليا بعد تطور ونضج وتأصيل عمله الجهادي وتوطيد استراتيجياته والبحث عن العمل الجماعي المنظم والذي يستطيع تحقيق غاياته السامية وهي اخراج النصارى من بلاده كما قال في وصيته.
تطور الصراع بينه والإدارة الاستعمارية الفرنسية وحلفائها بفعل نضج المشروع التحرري لديه واعباءه على المتعاطفين معه من افراد وجهاء وقبائل بالسجن والتنكيل وقطع الصلات النفعية بينهم ومصالح الادارة.
قام المجاهد محمد بن امسيكه انطلاقا من تقييم دقيق لهذه المرحلة من توسيع دائرة نشاطه قد كانت تكلفته العسكرية والمالية والبشرية باهظة، يبدو ان العملية التي قام بها في سجن لعيون حيث انتزع بندقية الحرسي واطرح سراح المساجين أول دليل على علاقاته مع جماعة لمكدية التي أسس لها المجاهد الشيخ ولد عبدوكه هذا بالاضافة الى التفاعل الاستراتيجي وتوفير السلاح لأسرة أهل جدو ولد اخليفة بالعصابة ربما كانت من مهدت له مع لمكدية.
دفع مبد قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق، الكثير من أخلائه وحلفائه الى التخلي عنه بل التعريض به فقد اوقفت الإدارة راعيه واستولت في منطقة امبود على 510 شاة له
ومبلغ 500 فرنكا إفريقيا Franc CFA كعقاب له على تماديه في التعرض للإدارة الاستعمارية.
حكم المستعمر على ولد أمسيكه بأنه مجرم ودموي من منظور الحق العام ومتهم بسرقات وقتل وعنصري حين قتل بعض من تعرضوا له من مكون الهالبولار وبذلك يسعى إلى تصفية شريحة بعينها تلك الشريحة التي مجدته عبر ثقافتها وفلكلورها ولقبته ب(Oulloumseik) وخلدته في أغانيها الفلكلورية بقولها في بعض المقاطع "لا خلود إلى النوم حتى يقدم ولومسيك" لم تفلح حملة المستعمر الاعلامية التشويهية ضده.
كان ولد امسيكة خطيبا مفوها ومقبولا، ويتمتع بخصائص ذاتية فريدة وبشخصية قوية وعزيمة لا تكسر، وكان لبقا وحاذقا في سرد الأقاصيص والأحجيات وراقصا ماهرا ومادحا لرسول صلى الله عليه وسلم و(صاحب كاف) وكان على درجة كبيرة من الاطلاع على خطورة المعلومة واستغلالها فكان يتنقل ويتخفى وراء الاسم الحركي عبد الله ولد أحمدو.
بهذه المميزات وجد قبولا داخل وسطه الاجتماعي وبها استمال الكثير من أعوان أعدائه وكانوا بهذا درعا وسندا يوفر له أسباب الاستمرار في نشاطه.
يرجع غضب وحنق الإدارة الفرنسية عليه الى انه كان اسبق الى قلوب المجتمع بمختلف مكوناته رغم بذل المستعمر لاستمالته اليه بالهدايا والعطيا والتشجيع والتكريم المادي والمعنوي ترغيبا وبالسجن وقطع العلاوات والاقالة من تصدر القبيلة ترهيبا
سجن محمد في مراكز أبي تلميت وألاك وبوقى وكيهيدي ولم يثنيه ذلك بل شرح صدره بصنوف من المقاومة للإدارة الاستعمارية وأعوانها حتى ضاقت به ذرعا، بل كان للسجن الفضل في غرس اليقين بالقضية والتصميم على مناجزة المستعمر.
توسع مجال حركة ولد أمسيكه وظلت جميع مناطق ضفة النهر مسرحا لعملياته العسكرية لدقة المعلومات مما جعله يسدد ضربات نوعية لأعدائه، حتى قال حاكم دائرة الترارزة <<يبدو أنه من المستحيل القيام بعملية بوليسية في بلد ظل فيه الناس شركاء للقاتل، بتأمينه وعدم إفشاء أمره>>.
كانت النتيجة هي تطوير الإستراتيجيته حين قال الحاكم إن:<<إثارة التنافس الضروري لدى مجموعة البيظان في هذا الإقليم، وحده الكفيل بإلقاء القبض على المجرم في يوم ما>>.
وتأسيا على تقرير الحاكمجاء رد فعل الوالي العام لغرب افريقيا سريعا فقرر مبلغ 100.000 (مئة ألف) فرنكا إفريقيا جائزة للامساك بالرجل حيا أو تقديمه ميتا.
كما أمر بحشد جميع القوات العسكرية لمراكز روصو وأبي تلميت وألاك وبوقى وكيهيدي ومال وامبود وطوق بهم منطقة كيمي التي أكدت المعلومات والمؤشرات الاستخبارية أن بها ولد أمسيكه. كما غرست العيون والمخبرون في التجمعات السكنية والاحياء والفركان وعند نقاط الماء والآبار وأمر بقطع جميع الهدايا والاعطيات والمباهج التي كان يتمتع بها الوجهاء والأعيان حتى يمسك بالمجرم على حد زعم الوالي العام.
وكرد سريع على تلك الإجراءات القاسية نظم ولد أمسيكه هجمات في نقاط مختلفة من الوطن مثل تعرضه لفرقة فنية من مؤسسة البريد والمواصلاتPTT) ( كان يقوم بإصلاحات لخط ألاك – المجرية فغنم ما عنده، ثم هاجم فرقة حرس دائرة امبود وأصابه بخسائر بالغة ثم فرقة حرس مال التي كانت تبحث عنه.
وفي منطقة العزلات قتل قائد فرقة الحرس غلانغا جوب ولم تسلم منه فرقة حرس مركز ميت ولا فرقة حرس العيون التي قتل منها حرسيا وسلبه سلاحه وكانت بندقية متطورة.
بفعل الحصار والحملة العسكرية والاغراءات للمبلغين والوشاة وقطع الاعطيات تغيرت قناعة بعض أصحابه البطل محمد.
لكن الرجل لا ينكسر له عزم ولا إصرار وتعلم عدم الاستسلام مهما كانت قوة الخصم بل لا يزيده ذلك الا مضيا في طريقه الذي بذل فيه وله كلما يملك وهوجهاد الادارة الفرنساوية.
وجاء القضاء والقدر وأزفت ساعة اللقاء بالله فاردي شهيدا دون استسلام بطلقات من اهل المودة والقرب بتاريخ 20 مايو 1950 وكان آخر كلامه النطق بالشهادة.
من منطقة كيمي نقلت جثة البطل على جمل إلى دائرة ألاك حيث تم التعرف علي جثمانه من طرف السلطات المحلية ثم أمر الحاكم بدفنه بمقبرة ألاك بعد أن صلى عليه السجناء وأعوان الإدارة المسلمين وبذلك طوي ملف ولد أمسيكه الذي أرق الإدارة الاستعمارية واثلج صدور المسلمين.
وجاءت الرياح الحمراء واصبح تاريخ وفاة الرجل عبرة وتأريخا للمواليد. سئل احد امراء البراكنة فخذ اولاد السيد عن محمد ولد امسيكه فقال انه عربي كريم سريع النجدة ليس مثله أحد العربان لأنه يقوم بكل هذه الاعمال دون أبناء عمومة ولا تحالف قبلي منفردا.
نرجو في ختام هذه الورقة من أصحاب الاهتمام رد الاعتبار إلى الرجل ومنحه المكانة التي أفتك لنفسه رغم التحديات فقد اخذ بطرف من الفتوة والفروسية والدهاء والكرم وحفظ العرض وعدم الغدر ونجدة المستغيث وان يسمى عليه أحد شوارع العاصمة أو الولايات التي نشط فيها.
تقديم: محمد ولد مولاي
36356045+44760316