عندما عرض علي الأخ الرئيس محمد جميل ولد منصور مشروعه السياسي، استمعت إليه باهتمام، وناقشت معه الفكرة بعناية: سياقها، ماهيتها، أساسها، أهدافها، إلخ. قبل أن أقرر دعمه والسير معه.
بعد حديث عميق وصريح عن إنشاء تيار وطني جامع يتجاوز الاصطفافات الضيقة الايديولوجية والاجتماعية، ويفتح ذراعيه لكل الخلفيات والمدارس الفكريه – قومية كانت أو يسارية أو إسلامو-سياسية أو نقابية أو مدنية مطلبية – ويؤسس على مفيد التجارب النضالية لأبناء الشعب، ويعيش واقع البلاد بخصوصياته ومستجداته، أيقنتُ أننا أمام ميلاد “كتلة تاريخية” بالمعنى الذي تحدث عنه المفكر الايطالي انطونيو قرامشي (Antonio Gramsci)، وتبناه المفكر العربى د. محمد عابد الجابري (2010-1935).
والكتلة التاريخية ليست توحيداً للرؤية بين مكونات المجتمع حول قضية نضال عابرة؛ سياسية أو غيرها، وإنما هي تجمع مفتوح لكل "أحرار المجتمع"، يحل محل الاصطفاف الأيديولوجي، ليؤسس لحمة اجتماعية قادرة على الإصلاح والبناء. ذلكم هو حجر الزاوية!
أذكر أنني – في ثمانينات القرن الماضي – وأنا عامل في بنك البركة (باميس) – كنت من أنصار الجابري حين دعا في الدول العربية لإ نشاء “كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق "بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج”. وقال بصريح العبارة “إن أي حركة تغيير في المجتمع الراهن لا يمكن أن تضمن لنفسها أسباب النجاح، إلا إذا انطلقت من الواقع كما هو، لا كما تتصوره بعض النخب الحالمة، وأخذت بعين الاعتبار جميع مكونات المجتمع – “العصرية” منها و”التقليدية” – والنخب وعموم الناس، والأقليات والأغلبيات، وصفوف العمال وصفوف الطلاب، وقبل ذلك وبعده صفوف المساجد، وصفوف المصلين (محمد عابد الجابرى في مجلة اليوم السابع 26 أكتوبر 1987).
وأوضح أن الإنطلاق من واقع المجتمع كما هو، والأخذ بكل ما فيه من تعدد وتنوع، ومن ائتلاف واختلاف يتطلب قيام “كتلة تاريخية” حقيقية تنبني على المصلحة الموضوعية الواحدة التي تعبر عنها شعارات الحرية والأصالة والديمقراطية والشورى والعدل الإجتماعى والشفافية والمسائلة واستقلال القضاء واحترام حقوق لإنسان والتنمية المستدامة والسلام الإجتماعى، وحقوق المستضعفين والأقليات، وحقوق الأغلبيات. (من نفس المرجع).
ومن هذا المنطلق لاقت دعوة الرئيس محمد جميل ولد منصور في داخلي قناعة راسخة بضرورة تجاوز الاصطفافات السياسية والايديولوجية الراهنة. فوجدت في إنشاء التيار “من أجل الوطن” ما يؤسس لميلاد “كتلة تاريخية” أتطلع أن تكون هي الإجابة الصحيحة لمشاكل البلاد حالا وفي المستقبل المنظور، بما في ذلك علاج التجربة الديمقراطية المعيارية المتعثرة وتحريرها من ثنائية “الأغلبية والأقلية” والارتقاء بها إلى “التوافق” و”التشارك” و”التعاون متعدد الأطراف”.
أمّا وقد تحول التيار إلى حزب "جبهة المواطنة والعدالة (جمع)، فيمكن تعريف الحزب الجديد بجملة من الخصائص والميزات، طبقا لما جاء في وثيقته الأساسية التي صادق عليها الجميع، ويلتزم بها الجميع:
1) مشروع وطنى جامع لكل قوى المجتمع الحية القادرة على الفعل، دون عزل لأحد لأسباب أيدولوجية أو اجتماعية أو موقف سياسى سابق مالم يعارض أهدافه الاساسية،
2) مشروع تصالحى شامل لا يقصي أحدا، معياره الالتزام بالبرنامج واللوائح والمؤسسات المنظمة له؛ مفتوح لكل الفاعلين فى الساحة الوطنية من شخصيات مستقلة، ومثقفين، وإعلاميين، ونقابات، ونوادي مهنية، ومنظمات فاعلة في المجتمع المدنى، وكل القوى الحية الراغبة فى صناعة تاريخ جديد وفق مشروع وطنى جامع.
3) مشروعٌ حاضنٌ للتوازن، يستهدف تعزيز قدرات الشرائح المهمشة فى إسماع صوتها، مثل العمال والمزارعين والعاطلين وسكان أحياء الصفيح والفقراء والمرأة والشباب و الأحزاب الصغيرة التى لا تقوى على المنافسة الحرة فى واقع المجتمع الراهن.
4) ينظر إلى الوطن و المجتمع بأسره، و لا يتجاهل أو يتجاوز المطالب الفئوية ولا يهملها، ولكنه يعتمدها وفق أولويات وطنية واضحة تساهم فى تعزيز اللحمة الوطنية وتقليص الفوارق الاجتماعية.