تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

سيلبابي: المدرسة الجمهورية عنوان محاضرة ضمن فعاليات الاسبوع الوطني

 تميز اليوم الثالث من فعاليات الأسبوع الوطني للثقافة والشباب والرياضة المدرسية على مستوى ولاية كيدماغه بمحاضرة بعنون " المدرسة الجمهورية: الواقع والآفاق " قدمها فريق من الأساتذة يتكون:

  • المحاضر: الأستاذ محمد محمد ناجم
  • المشرف: المدير الجهوي المساعد للتهذيب اعل ولد عثمان
  • الأستاذ: يعقوب فوفنا (الترجمة للفرنسية)

وحضرها جمهور واسع من الأسرة التربوية بالولاية (معلمون وأساتذة ومديرين)، والنوادي الثقافية وممثلون عن المجتمع المدني.

محاضرة تحت عنوان : المدرسة الجمهورية الواقع والآفاق.

 

إذا كانت غاية التعليم والتربية عموما هي إعداد المواطن الصالح فإن تحقق ذلك يظل مرتبطا إلى حد كبير بمدى كسب رهانات النظام التربوي والتي ما هي في الواقع إلا بعض مبادئ المدرسة الجمهورية.

فما مفهوم المدرسة الجمهورية ؟

وما أهم مبادئها ؟

وكيف كان نظامنا التربوي قبلها؟

وما الآفاق المسقبلية لهذا التوجه؟

مفهوم المدرسة الجمهورية

    المفهوم اللغوي : للمدرسة لغة مفهومان فهي من ناحية  تطلق على مجموعة من المفكرين أو الفلاسفة أو الأدباء يشتركون في نفس المبادئ: المدرسة البنيوية في علم النفس المدرسة الرمزية في الأدب المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي ...

ومن ناحية أخرى تعني مكان الدراسة وهو المقصود هنا .

أما الجمهورية فهي نسبة إلى دولة المواطنة ككيان محايد يسمو فوق الاختلافات المناطقية والإثنية...


ومن الناحية الاصطلاحية :

تعرف المدرسة الجمهورية بكونها :<< هي المدرسة العمومية أصلا والخصوصية لاحقا التي ينتسب إليها ويتعايش في فصولها ومساكنها الطلابية إن (وجدت) جميع  ـتلاميذ البلد على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وألسنتهم ومناطقهم ومراكزهم الاجتماعية والاقتصادية بحيث تذوب كل الفوارق ويتربون على المساواة   >>

فهي تقوم على مجانية التعليم و إجباريته وتسمى أيضا بـ "مدرسة الشعب" لأنها هي الوحيدة التي تجمع جميع الطلاب من كافة الأوساط الاجتماعية جنبا إلى جنب لتلقي نفس التعليم في نفس الظروف .

إنها تعمل على مقاومة كل النزعات القبلية والاثنية والطائفية والمناطقية ...التي تزاحم الدولة أو تنازعها في وظائفها.

 


والمدرسة الجمهورية التي ظهرت في الغرب في نهاية القرن التاسع عشر ليست مجرد مشروع تربوي بل هي مشروع سياسي وحضاري يحمل دلالات أيديولوجية كبيرة تتمثل أساسا في  محاربة التقاليد وترسيخ الأخلاق المدنية العلمانية.
وقد نشأت المدرسة الجمهورية في فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر مع بدايات الجمهورية الفرنسية الثالثة مع قانون بول برت (
Paul Bert) سنة 1879 وقوانين فري Ferry سنة 1881وقانون غوبليه Goblet سنة 1886


مبادئ المدرسة الجمهورية لدى الغرب: 
تقوم المدرسة الجمهورية بحسب أوليفييه كوزين 
Olivier Cousin على أربعة مبادئ أساسية هي :
□نقل الثقافة الكونية والعقلانية القائمة على القيم الأساسية لفلسفة الأنوار 
□تأكيد الحياد الاجتماعي للمؤسسة التربوية
l’affirmation de la neutralité sociale de l’institution pédagogique 
□تأسيس تراتبية اجتماعية قائمة على الأهلية الفردية
□تكوين الفرد المستقل استقلالا ذاتيا. 

 

أما بالنسبة لنا كموريتانيين مسلمين فإن مبادئ المدرسة الجمهورية لدينا تختلف عنها لدى الغرب خصوصا في النقطة الأولى المتعلقة بأفكار وأيديولوجيا مدرسة الأنوار إذ تتمثل أهم مبادئها لدينا في الرهانات الكبرى لأي نظام تربوي يراد له النجاح  و المتمثلة في :

الملاءمة : أي تحقيقها لأهداف المجتمع الثقافية والدينية بتكوين مواطن يومن بالقيم الإسلامية ويتمثلها . 

النجاعة :  وذلك بتحقيق التناسب ما بين مخرجات النظام التربوي وحاجة سوق العمل .

الإنصاف : ويعني تأسيس تراتبية اجتماعية قائمة على الأهلية الذاتية للفرد وهو ما يسمح بخلق حراك اجتماعي هادئ وسلس يمنح أبناء الطبقات الضعيفة فرصة كسر الجمود الطبقي والقفز إلى قمة المجتمع ثقافيا  و وظيفيا وبالتالي اجتماعيا عن طريق التعلم المنصف.

  

وإذا كانت فرنسا - والغرب عموما  - تواجه مشكلة الحفاظ على الهوية العلمانية الليبرالية في وجه سيل ديمغرافي جارف من المهاجرين المتجنسين فإن تحدي الاندماج الاجتماعي المعتز بهويته التاريخية  -  في الحالة الموريتانية - يعتبر أكبر تحد واجه التخطيط التربوي إبان الأنظمة السابقة.

 

فكيف كان النظام التربوي قبل المدرسة الجمهورية  ؟

لقد مر النظام التربوي الموريتاني بجملة من الإصلاحات كان الإرتجال عاملها المشترك   تمثل ذلك فى إصلاحات: 1959- 1967- 1973 – 1979- 1999،  

ولعل أهمها كان إصلاح 1999 إذ وضع حدا لنظام الشعبتين الذي كان يعزز الشرخ الإثني بشرخ ثقافي.ولعله مثل الإرهاص الأول لنظام تربوي واع لمتطلبات الحاضر والمستقبل،

عبر استخدام العربية فى تدريس المواد ذات الصلة بالهُوية الوطنية والدينية ( التربية الإسلامية، التاريخ والجغرافيا، التربية المدنية)، وسعى لتحسين مستوى تعليم الفرنسية من خلال تدرسيها من السنة الثانية الابتدائية، وتخصيصها لتدريس المواد العلمية بدء من السنة الثالثة الابتدائية، وحاول هذا الإصلاح الانفتاح على الإنكليزية حيث تقرر تدريسها بدءا من السنة الأولى الإعدادية، وتم تدريس الفيزياء ابتداء من السنة الثالثة الإعدادية، بالإضافة للمعلوماتية بداية من السنة الرابعة (نظريا)،

و إنشاء قطاع لترقية اللغات الوطنية عبر البحث الأكاديمي الجامعي (قطاع اللغات الوطنية فى الجامعة).

 وبرغم ذلك الإصلاح ظل الشرخ قائما  فلم يأت هذا السعي الحثيث  منذ ما قبل الاستقلال بجديد يذكر بخصوص حسم الهٌوية اللغوية بل ظل الإشكال كما هو والحسم فيه مؤجلا فى ظل غياب رؤية واضحة تزيل الإشكال وتضع حدا لرحلة التيه الطويل.

 

        إن إصلاح التعليم كغيره من القضايا الوطنية الهامة يحتاج رؤية واضحة وإرادة سياسية صلبة وجادة،    وهو ما وعته السلطة السياسية وسعت إلى تجسيده  على أرض الواقع من خلال مشروع المدرسة الجمهورية. فبادرت إلى إنشاء لجنة وطنية للتعليم ،

 وشكل جو التهدئة الذي يعيشه  البلد فرصة  للتشاور بخصوص التعليم وهو تشاور امتلك أدوات النجاح وأدت مخرجاته إلى إصدار قانون توجيهي صادق عليه البرلمان

 

ما الآفاق المستقبلية لهذا المشروع ؟

إن نجاح أي نظام تربوي يبقى رهين تناغم وتعاضد مختلف مكوناته المتمثلة في :

المدخلات : وتشمل المدرسين بمكتسباتهم الأكاديمية و الديداكتيكية والتربوية ... إضافة إلى المنهج الدراسي. وتشكل مراجعة المناهج  ومشروع ترقية مهنة المدرس وما أفضى إليه من تعميم وزيادة لبعض العلاوات محاولة من الوزارة لتحسين المدخلات.

العمليات : وتتمثل في طرق التدريس والتأطير والمتابعة وغير ذلك من الأنشطة الصفية و اللاصفية . وفي هذا الصدد تم تنظيم ملتقيات لتحسين خبرة و دعم قدرات المدرسين والمؤطرين.

البيئة الحاضنة : وتضم البيئة المدرسية ببنيتها التحتية  و الفوقية ( قوانين وتشريعات مدرسية )والبيئة العائلية والشارع و الإعلام .وفي هذا المجال تم بناء وترميم العديد من الأقسام في كل ولايات الوطن كما تم إشراك أولياء التلاميذ من خلال تجربة لجان تسيير المدارس.

التغذية الراجعة أو التقويم Feed back  وقد تمت في هذا المجال لامركزة المسابقات الوطنية جزئيا بالنسبة للتعليم الثانوي وكليا بالنسبة للاساسي.

المخرجات: وتعني الأهداف النهائية بعد تحققها ( مخرجات التعليم الأساسي ، مخرجات التعليم الثانوي ، العالي ...)

يضع كل هذا الميدانيين من مدرسين ومؤطرين أمام مسؤولياتهم  إذ عليهم أداء الواجب المهني بكل تفان ومسؤولية وذلك بالسهر التام على احترام البرامج والتوقيت وتربية التلاميذ على حب الوطن واحترام رموزه عبر رفع العلم يوميا و أداء النشيد الوطني وصيانة الممتلكات المدرسية بوصفها مالا عاما .

بهذا وبهذا وحده تنجح موريتانيا في حجز مقعدها بين الأمم المؤمنة الآمنة التي يسودها الإخاء والعدل والمساواة .   

  

أحد, 03/03/2024 - 20:12

تابعونا

fytw