بسم الله الرحمن الرحيم
تأبين لفقيدة لعصابة : فاطمة بنت خنفور
يسلك الناس في مسيرتهم على البسيطة طرائقَ قِددا:
. منهم من يختار الوِهادَ و الحُفر السحيقة ، فيسير دون أن نشعرَ به أو يشعرَ بنا ، و كأنه يتهيَّبُ الظهورَ و ينتحي سُبلا و لواحِبَ لا أنيس بها و لا رفيق ، فيصل وجهته كما بدأها وحيدا ، لم ينفع صديقا و لم يضرَّ عدوا ،
. و منهم من يكونُ شره مستطيرا و بُعده خيراً من قُربه لما يُسببه الأخيرُ من مآس و مضايقات تطال القريب قبل الغريب ، و كأنه يتمثل بيت ابنِ الخطيم :
إذا أنت لم تنفع فضرَّ فإنما /
يرجى الفتى كيما يضرَّ و ينفعا .
. و ثالثةُ الأثافي و بيتُ القصيد شخصية تطعم الطعام و تفشي السلام و تُفرِح الصديق و تَغيظ العدو .
قربها لك مغنم ، و تَوَلِّيها عنك مغرم ، إنها فقيدة لعصابة صاحبةُ الأيادي البيضاء و السيرة السَّنِية الناصعة ، المغفور لها بإذن الله فاطمة بنت خنفور .
لقد اختارت منذ نعومة أظفارها طريق الشهرة و الظهور مع ما يترتب عليه من ضرائب و أثمان باهظة
و مع أنها ابنتٌ لأحد بيوتات المجد في قبيلة يستحوذ فيها الرجل على تسيير الشأن العام ، و تتجلى الذكورية في أبهى تجلياتها ، إلا أنها أبت إلا صعود القِمم و تجشمَ الصعاب مرددة مع شاعر الثورة التونسية :
و من لا يحب صعود الجبال/
يعش أبد الدهر بين الحفر
فكانت بِطَلعتها البهية و حضورها اللافت تتصدر المجالس و تستقبل الوفود في منزلها العامر ، و لا يكاد يخلو منها نادٍ يحمل همَّ مدينتها أو يحدد مصيرها .
كنا نسمع و نحن في مقتبل العمر عن جِفانها ذائعةِ الصيت ، و قدورٍها التي تستقطب القانع و المُعتَرَّ و عابرَ السبيل ، فيجذِبُنا القَرَمُ (إِتِينَكْ) و يصدُّنا التعفف ، و بين هذا وذاك تَضيعُ فُرصٌ تحتفظ بها ذاكرة الطفل طويلا " فَلَيْعَة الطعام عصية على النسيان".
و ذات استهداف من سيدة من خصومها السياسيين لقريب لها على الضفة الثانية خاطبته بنبرة لا تخو من تهكم و استهداف قائلة : لا تتأخر عن وقت طعام فاطمة منت خنفور ....
اللهم كما كانت سندا للضعيف و كهفا للملهوف و أما لليتيم.
و كما كانت تَقْرِي الضيف فقد نزلت ببابك و انت خيرُ منزول به فاجعل قِراها جناتِ عدن تجري من تحتها الأنهار و نَقِّها من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس و ألهِم ذويها الصبر و السلوان.
تعازينا القلبية للوالد دافيد و الأخت مريم و لبقية افراد الأسرة الكريمة و لمعارف الفقيدة و محبيها و إنا لله و إنا إليه راجعون :
حفروا بِوَلْ الصُّوفي قبرَكِ يا تُرى/
هل يُدفن المجدُ المُؤثَّل في الثرى؟
و الشمس هل-إن تحتجب في مغرب-/
يَسطٍيعُ بحرٌ نورَها أن يسترا؟
لا ، بل تُضيئُ إذا تَغيبُ لغيرنا/
و كذا المناقب باقياتٌ في الورى
يَقضِي خيار الناس قبل سِواهمُ/
و الذكر يبقى في الأنام مُعمَّرا /
صلى الإله على الشفيعِ محمدٍ/
و أنال فاطمةَ الثوابَ الأوفرا