تتجذر لدي قناعة أنه من داخل أسوار وزارة التهذيب من لا يريد لمفتشي التعليم الثانوي أن يكونوا..!
وقد كنت أحسب دائما أن أولئك الذين لا يريدون للكفاءة أن توجد، وللاستقلالية أن تتعزز في هذا القطاع هم من أولئك الذين اعتادوا على الرداءة والتسلط، واستفادوا باستمرار من الفساد والمحسوبية مع ضعفهم المهني، فمثل هؤلاء ليس في صالحهم يقينا أن توجد كفاءات في الوزارة ولا أن يوجد عمل مهني ولا إصلاح، فأي إصلاح يضر بمصالحهم.
ولكنني لم أكن أعتقد أبدا أن من بين من يشاع أنهم من أولي الخبرات والكفاءات من يمكن له أن يقف عائقا في وجه إنشاء سلك لمفتشي التعليم الثانوي يضطلع بمهامه كاملة غير منقوصة ويكتسب حقوقه المهدورة منذ عقد من الزمن..!!
لقد كانت صدمة لي ولزملائي الذين انخرطوا في مسار دراسي طويل وخضعوا لأطول تكوين مهني ممكن في هذه البلاد (شخصيا ست سنوات) وراكموا في التربية والتعليم تجربة ممتدة لعقود..!
لا أفهم استنقاص أدوار المفتشين من خبراء في التربية، ولا أستسيغ معارضة أن يكون لهم سلك يحدد مهامهم ويوفر الحد الأدنى من حقوقهم..!
الآن، صارت الأمور أوضح؛ فالسلك الذي ولد خديجا بدون حقوق مالية تجعل المفتش يقاسي صعوبة الحياة المادية أكثر من معلم في فصاله أو البير يقزم أي دور يمكن أن يقوم به المفتش في تطوير المنظومة التعليمية.. أو هكذا أريد له..
في كل المنظومات التربوية العالمية والإقليمية يحدد للمفتشين أدوار أساسية ومهام جوهرية لتوجيه وتطوير النظام التعليمي إلا هنا، فقد أريد لنا أن نظل على الهامش ونكون الذين إذا حضروا لا ينصت إليهم وإذا غابوا لا يسأل عنهم..!
في بريطانيا يطلق على نظرائنا "مفتشو صاحبة الجلالة" منذ ستينيات القرن الماضي وهم مستقلون تماما عن الأجهزة الإدارية لوزارة التعليم.
في لبنان يتبع المفتشون لرئاسة الجمهورية مباشرة..
في المغرب والجزائر والسنغال هنالك ثلاث درجات للمفتشين: مفتشو تعليم قاعدي، ومفتشو تعليم ثانوي ومفتشو توجيه تربوي.. أما هنا فيتساوى الجميع لأنه لا عابئ بهم...!
في هذه البلدان الثلاثة يتقاضى المفتشون أكبر الأجور في التعليم، أما هنا فقد يكون أجر المفتش أقل في بعض الشهور من بعض المعلمين..!!
أي مستقبل لهؤلاء المعلمين والاساتذة الذين يطمحون للترقية المهنية إذا كانوا يدركون أن أعلى المراتب التي يطمحون لها أهلها أقل أجرا منهم..؟
والسؤال الأصح هو: هل هؤلاء المفتشون لديهم حافزية للعمل..؟
هكذا يريدون لهذا السلك أن يفشل، ولمهامه أن تظل حبيسة النص الذي أنشأها..
من الغريب أن هذه النفثات جاءت في وقت يعكف فيه الوزير الحالي للتهذيب على مراجعة الاختلالات الواقعة في هذا السلك، وبالتالي فليس من المستغرب أن تعوي تلك الذئاب التي نهشت من المائدة طويلا..
من صفحة المفتش سيد ولد محمد الأمين